أقام النادي الأدبي الثقافي في منطقة حائل محاضرة بعنوان “السياحة التراثية.. العقيلات أنموذجاً”، للدكتور نايف بن مهيلب المهيلب، وذلك بعد مغرب يوم أمس الثلاثاء الموافق 27 / 8 / 1438هـ في مسرح النادي بمقرّه الكائن في مدينة حائل، وأشار الدكتور نايف المهيلب في بداية المحاضرة إلى أهمية قراءة التاريخ، وقال: “لم يأخذ نشاط عقيلات حائل نصيبه من البحث سواء من حيث الرصد والمتابعة أو الدلالات والأبعاد، ولقد قابلت أثناء إعداد هذا البحث العديد من أبناء وأحفاد العقيلات، فألفيت أبعاداً اقتصادية وسياسية واجتماعية، تحتاج إلى دراسات معمّقة، ومنهج علمي يستقصي تلك الأبعاد، ولعل هذه النافذة تكون مدخلاً لهذه الحقبة من مسيرة العقيلات وسبر أغوارهم، حيث كان لهم ‏دور بارز في تجارة الخيول والإبل وحماية ‏الحجاج وتفويجهم، ‏بالإضافة إلى الاشتراك في الحروب ونقل الرسائل وانطلقت رحلات العقيلات من الاحساء، وكانت آخر رحلة لهم في عام 1369، او في عام 1370هـ”.

ثم تحدّث المهيلب عن أسباب رحلاتهم، وفئات العقيلات، ومستوياتهم.. ثلاث مستويات، والمستوى الرابع لمن ليس يملك شيء، وهم من يقومون بالخدمات، وتحدّث عن عقيلات حائل واختلافهم لبـنهم مصدر لتفويج الحجاج وهذا دور ديني، بالإضافة للأدوار الاقتصادية والاجارية، وتطرّق للطرق التي يسلكونها، وقال هناك أكثر من طريق حسب فصول السنة والقدرة على تحمل العطش، وذكر محطات الطرق، وعرّف مصطلح الحدرة بأنه الاتجاه للعراق، ومصطلح التغريب بأنه الذهاب للمنطقة الغربية كــ عمان او مصر، وتحدّث عن خصائص و قيم العقيلات كالــ الكرم والشجاعة والمرؤة، والحيطة والحذر من المفاجآت والاسئلة الغريبة، وشم التراب كــ جزء من معرفة الطريق، ومعرفة الأشجار والنباتات للاستدلال على المناطق.

 وعرض الدكتور المهيلب لنماذج من شعر العقيلات وقال: من خلال تتبعنا  لشعر عقيلات حائل، نلاحظ لوعة الاغتراب، وحالة الاحتراب الداخلي، عند وداع أهلهم وأولادهم، كذلك وصف تلك الرحلات وما يعتريها من مصاعب وتحديات، وإبراز دور رفقاء السفر،وذكر محاسنهم وسماتهم، مما يجعلنا نقف عند الصور الشعرية المبدعة بأنها عواطف صادقة، تجسد تلك المرحلة بكل تفاصيلها وأطيافها مع الاستشهاد بالنجوم والكواكب كدليل ومرشد بمعالم الطريق، والشعر أحد الموارد التي يتسلى بها العقيلات ويستعينون بها على قطع المسافات الشاسعة بأسفارهم الطويلة، وللأسف أنني لم أجد فيهم من الشعر الفصيح شيئاً، ويبدو أن هذا الجانب إما أنه لم يدون ويتناقله الناس، أو أنه لم يقل أحد فيهم من الشعر الفصيح، وهناك احتمال مرجح وهو أن دورهم القوي وذروة نشاطهم واكب عصر الركود الذي يسميه البعض عصر الانحطاط الأدبي كما صادف انتشار العامية والشعر العامي، ولذلك كثر فيهم من يقوله، وكثر استعمالهم له، حيث يتغنون بالشعر للتسلية ويقولونه للدعابة والمزاح والمدح والهجاء، وغير ذلك من الأغراض غير أن معظمه اندثر في ثنايا النسيان ومن نماذج شعرهم:

قال فهد بن مطلق الأزيمع ينعي رفيقه سليمان بن عبدالله الخلف:

رِجلَك اللي جاه من زايد خطـــاها   خابر شغلك على عوص النجــــــايب

 كم سريت وكم مشيتوا في شقــاها وكم جرى لك من هموم ومن مصـايب

أنشد الصوان والحوصـــا وماهــا   والطبيق وما شـــــريت من الـركايب

يابو عبدالله ترى هــــذا بلاهـــــا    ما جرى لك به صواب ولا أنت شايت

به رجال بالخطر شــــابت لحاهــا   وانت شابت ركبتك شيء عجـــــايب

في بداية المداخلات تساءلت الأستاذة هدى عبدالعزيز عن المراجع مما نشر عن العقيلات من دراسات، وقال الدكتور المهيلب أنه رجع إلى قرابة 16 مرجعاً، وستنشر هذه الورقة التي قدمت في هذه الورقة في الموسوعة الشاملة التي ستصدرها جامعة حائل، وقال الدكتور عبدالله البطي أن العقيلات قدّموا صورة مشرقة عن منطقة نجد، حيث الصورة غالباً قاتمة من الجوع والفقر والحروب، ولحركتهم الحضارية أبعاد ثقافية وسياسية، وتجمعهم تتجاوز الانتماءات.. فهم خليط من اطياف شتى، ونوّه بوجود آثار لتواجد العقيلات في الدول المجاورة في بلبيس في مصر، وفي دمشق وفي معان وعمان، ووجود امتداد لبعض العوائل في تلك الدول، ووافقه الدكتور نايف المهيلب، وأكّد أن هدف حركتهم تجاري بعيداً عن الطوائف، وأشار لمقولة العالم ابن خلدون “أن الناس عندما تخاف تلتئم….”.

وطالب الأستاذ نائف الجماح بالتفرقة بين مصطلح “العقيلات” الذي يشيع استخدامه في منطقة القصيم ومصطلح “الحدرات” في حائل، وأشار إلى أن المجتمع البدوي متعود على التنقّل، واقترح الأستاذ محمد العبده تقديم أوراق عمل أو فيلم وثائقي عن العقيلات ودعا إلى إقامة هذه الفعاليات في مدينة جبة، ورحّب بذلك المحاضر الدكتور نايف المهيلب، نواف الشمري أشار لقصيدة الأزيمع التي أوردها المحاضر ونوّه بوجود خطأ طباعي في أحد الأبيات، وقال المهيلب أن العقيلات أو أصحاب الحدرة ملف مفتوح للدراسة لا سيما علاقتهم بالانجليز أو مع الدولة العثمانية، وقال أنه أورد هذه الأبيات مع تحفظه على الشعر النبطي، وأشار إلى أن من مميزات العقيلات الإيثار فيما بينهم، وقال المهيلب أن الدافع للعقيلات هو لقمة العيش، والعقيلات مدرسة ذات شواهد، ونأمل إقامة ملتقى للعقيلات، وتمنّى من أحفاد العقيلات المشاركة بما لديهم من قصص وصور لآبائهم، وتساءل صالح العديلي لماذا أغفل الذين ذهبوا إلى زبير وأسسوا مدينة كبيرة ومكثوا فيها من 150 إلى 200 سنة، أو الذين ذهبوا إلى الظهران أو إلى الأردن للالتحاق بالجيش العربي لماذا لا يندرجون تحت مسمى العقيلات؟ وذلك لتحديد المفاهيم هل هي مرتبطة بالذهاب لبلدان معينة؟

وقال الدكتور المهيلب أن الهدف وظيفي في إطار الغربة كما ذهب البعض إلى قطر والكويت، وقال أن مدينة الزبير قد تعود تسميتها نسبة إلى وجود قبر الزبير بن العوام فيها، وقد استقرت هناك عوائل نجدية يرتادون سوق البصرة لقربه هناك، وتساءل سعود البلوي عن تأثير العقيلات في مجال السياسة تحديداً وعلاقتهم مع الانجليز والعثمانيين، ورد المهيلب أن من الشواهد على ذلك ما قام به محمد العوني من جمع القبائل من كل مكان في معركة الشنان ومعركة الصريف، ودور عقيلات سوريا في معركة ميسلون ضد الفرنسيين، وكرّر الدكتور نايف المهيلب في ختام محاضرته التنويه بأهمية دراسات كل أبعاد العقيلات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأكّد أن المجال مفتوح من خلال إقامة ملتقى أو إنشاء متحف أو طباعة كتاب يحوي صوراً جماعية ونبذة عن كل واحد من الـ 400 شخص من العقيلات الذين أورت أسمائهم في هذه المحاضرة، وننتظر مساهمة الابناء والأحفاد ووجود فريق عمل لمشروع  متكامل، وأكّد أننّا بحاجة إلى ثقافة المشاريع.