الكاتبة / خلود العنزي
سميراء في مصادر التاريخ
تقع محافظة سميراء في جنوب مدينة حائل، على بعد 120 كيلومترًا منها، وهي محافظة غنية بالمعالم الأثرية والتاريخية القديمة، مثل برك حريد، وقصيرة، وضليع النيص، ومسجد الجلعود، وغيرها؛ بحسب ما ذكرته هيئة تطوير منطقة حائل. وقد حظي مسجد الجلعود الذي بُني عام 1175هـ/ 1762م بعناية خاصة، بعدما شمله مشروع سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود لتطوير المساجد التاريخية في المملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن المصادر التاريخية في هذه المقالة تتمثل في نصوص وردت في بعض الكتب لمؤلفين زاروا سميراء ومروا بها، وأخرى لمؤلفين ذكروها دون زيارتها، ولا تمثل استقصاءً شاملًا لجميع المصادر التاريخية المتعلقة بتاريخ سميراء.
يعد طريق الحج الكوفي من أقدم الطرق التاريخية في الجزيرة العربية، ويعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام، فقد كان طريقًا تجاريًا تسلكه القوافل.
وقد اكتسبت سميراء أهميتها بعد اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية في القرن الأول الهجري، لكونها إحدى المحطات الرئيسية على طريق الحج الكوفي، والمعروف بـ”درب زبيدة”. وقد أشار إليها المؤرخ أحمد بن أبي يعقوب إسحاق الشهير باليعقوبي (ت284هـ/ 897م) في كتابه “البلدان”، بكونها منهلًا قائمًا ومنزلًا عامرًا. كما أشار إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285هـ/ 898م) في كتابه “المناسك وأماكن طرق الحج ومعالم الجزيرة” إلى وجود قصر ومسجد وسوق بسميراء، وعدَّدَ آبارها، وهي: أم العين، وبالشهبا، والطارفية، بالحويضية، والريانية، والنجدية، والبهدى، وبخويص؛ وقد أشار أيضًا إلى البِرَك الموجودة بها، وهي بِركةٌ زبيديةٌ مدورة لها مصفاة مدورة، وبركة أخرى مربعة؛ ومما ذكره أيضًا أنه يقع بالقرب من سميراء الكثير من الآبار ذات المياه العذبة، وأورد شعرًا في منازل طريق الحج الكوفي، ومنها هذه الأبيات الخاصة بسميراء:
ثم وردنا بعده سميرا نقدم الأثقال عيراً عيرا
وقد ألفنا الليل والمسيرا ونحن نقفو قمراً مُنيرا
سيدة قد أغنت الفقيرا وأنفقت من مالها كثيرا
على الحجيج سهلت عسيرا وأنبطت عيناً لهم وبيرا
وكل حوض يشبه الغديرا فأصبح الماء لهم غزيرا
وأشار أحمد بن عمر بن رسته (ت300هـ/ 913م)، الذي عُرف بأنه حج في عام 290هـ /903م، في كتابه “الأعلاق النفيسة” إلى منازل طريق الحج الكوفي، مُحدّدًا مواقعَها تحديدًا دقيقًا، وذكر أن سميراء، بالنسبة للقادمين من بغداد إلى مكة، تقع بين توز والحاجر؛ فهي تلي توز، والمسافة بينهما نحو عشرين ميلًا، وتبعد عن الحاجر أربعة وثلاثون ميلًا؛ كما وصفها بأنها منزل خصب يسكنها العرب، والماء فيها متنوع من الآبار والبرك.
وذكر محمد بن أحمد المقدسي (380هـ/990م)، الذي زار معظم بلاد الإسلام في كتابه “أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم” أن سميراء تضم مزارع عديدة، وتتميز بوفرة مياهها، وبِـرَكِـها العذبة؛ كما حدد موقعها ضمن منازل طريق الحج الكوفي، ويُلاحظ في تحديده وجود اختلاف طفيف بين ما أورده المقدسي وابن رسته حول المسافة التي بين سميراء والحاجر؛ فقد ذكر المقدسي أن المسافة هي ثلاثة وثلاثون ميلًا.
وأشار محمد بن أحمد الكناني المعروف بابن جبير (ت614هـ/ 1217م) إلى سميراء بلفظ “سميرة” في كتابه “تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار”، عندما سلك طريق الحج الكوفي متوجهًا من المدينة إلى العراق؛ فقد ذكر أنه نزل بسميراء بعد الحاجر، وأنها موضع معمور، وفي بسيطها شبه حصن، يُطيف به حَلَق كبير مسكون، والماء فيها متوفر من برك ومستنقعات وآبارها كثيرة، إلا أنها زُعاق، أي مُرة غليظة؛ كما أشار إلى النشاط التجاري في سميراء، موضحًا أن سكانها العرب يبيعون للحجاج ما يحتاجونه من اللحم والسمن واللبن، وكان الحجاج يُقبلون على شرائها بشقق الخام، أي الثياب أو القماش، ولم يكن أهل سميراء يبيعونهم إلا بها.
وذكر ياقوت بن عبد الله الحموي (ت623هـ/ 1226م) سميراء في كتابه “معجم البلدان” أن اسم سَمِيراء بفتح أوله وكسر ثانيه، وقيل بالضم، وهو اسم لرجل من قوم عاد؛ وأشار إلى أنها منزل بطريق مكة بعد توز مصعدًا وقبل الحاجر، ونقل عن السكوني أنها موضع حوله جبال، وآكام سود، أي تلال سود؛ ولذلك سميت بسميراء، ونقل أيضًا أبياتًا لمُطير بن أشيم الأسدي تناول فيها سميراء، ومنها قوله:
ألا أيّها الركبان إنّ أمامكم سَمِيراء ماء ريُّهُ غير مَجهَلِ
كما أورد أبياتًا أخرى لمرَة بن عياش الأسدي، وهي:
جَلَتْ عن سَمِيراء الملوكُ وغادروا بها شرّقِن لا يُضيف ولا يَقـْري
هجين نمير طالبًا ومجالدًا بني كلّ زحّافٍ إلى عَرَن القِدرِ
فلو أنّ هذا الحيّ من آل مالك إذاً لم أُجَلّي عن عيالمها الخضر
ثم علق قائلًا: إن المقصود بالذين جلوا عن سميراء هم رهط العلاء بنو حبيب بن أسامة من أسد، وحل مكانهم بنو حجران.
وأشار محمد بن عبد الله المعروف بابن بطوطة (ت779هـ/ 1377م) إلى سميراء في كتابه “تحفة النظار في غرائب الأمصار” والذي ألفه في عام 759هـ/ 1358م عندما سلك درب زبيدة خارجًا من مكة إلى العراق؛ وقد جاء وصف ابن بطوطة للنشاط التجاري في سميراء متطابقًا مع ما أورده ابن جبير عنها، وذكرها أيضًا بلفظ سميرة.
وذكر عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون (ت808هـ – 1406م) سميراء في كتابه “ديوان العبر والمبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر” بأنها شهدت على وقائع حادثة ادعاء طليحة النبوة، فقد ذكر أن طليحة عسكر فيها، وتبعه عددٌ من القبائل، وهذه الحادثة مذكورة تفصيليّا في كتاب تاريخ الطبري (ت310هـ – 923هـ) أيضًا.
وأشار تشارلز دوتي (ت1259هـ -1345هـ) إلى سميراء في كتابه “ترحال في صحراء الجزيرة العربية” بأنها إحدى واحات وقرى حائل الجيدة، وأن قوافل الحج تجتمع فيها وتنطلق منها إلى مكة، وذكر أيضًا وجود بئر فيها يُسمى بئر سميراء.
كما ذكر جورج أوغست فالين (ت1268هـ/1852م) في كتابه “صور من شمالي جزيرة العرب” أن سميراء قرية تتوافر فيها دائمًا مياه الآبار والينابيع، والزراعة فيها قائمة من قبل المزارعين المستقرين فيها وأهل البادية الذين يملكون فيها حقولًا زراعية، فقد كانوا يأتون إليها في فصل الربيع ليعتنوا بها.
كما أشار شارل هوبير (ت1301هـ/1884م) في كتابه “رحلة في الجزيرة العربية الوسطى” أن سميراء بلدة قديمة يُقدر عدد سكانها بحوالي 400 نسمة، وبيّن أنه لم يشاهد فيها زراعة النخيل، وأن مشاهداته للزراعة فيها اقتصرت على حقول القمح؛ وأشار إلى أن المياه فيها غزيرة جدًّا على عمق مترين فقط.
ختامًا، فإن سميراء كانت تمثل محطة تاريخية بارزة في طريق الحج الكوفي، وكانت شاهدًا على عدد من الأحداث المهمة في التاريخ العربي والإسلامي، وقد ساهم موقعها الجغرافي، وطبيعتها الزراعية، ووفرة مياهها، في استقرار الإنسان فيها، وأهّلها لتكون موئلاً للعيش والنشاط البشري، ويضفي ذكرها في كتب الرحالة والجغرافيين والشعراء دلالة على خضورها الدائم في الذاكرة الشعرية والجغرافية والتاريخية للمنطقة، وهو ما يعكس تنوع الأدوار التي لعبتها سميراء عبر العصور.
بقلم : خلود العنزي